من واجب يومي إلى التزام أخلاقي تجاه البيئة
كان شهري الأول في ألمانيا، شهر التعليمات بلا منازع، كنت أتلقى التعليمات بشكل يومي منذ الصباح حتى المساء، بعض هذه الإرشادات كان مزعجاً، كتلك التي كانت تشرح لنا كيفية استخدام فرشاة الأسنان مثلاً، أو طريقة استخدام الحَمام، و كنت أتقبلها على مضض، وحاولت مراراً وتكراراً أن أبلغ المشرفين علينا بأن هذه الأشياء من البديهيات ومتوفرة في بلادنا أيضاً، ولدينا أطباء أسنان، وسيارات وهواتف، ولكن جهلي باللغة الألمانية كان يُخرسني حينها. لكن المعلومة التي أخذت وقتاً طويلاً حتى فهمتها كانت “فصل النفايات”، كانت هذه العبارة قد تُرجمت لعدة لغات، وعلقت على مداخل ومخارج الغرف وفِي الردهات. حيث كان وقعها غريباً على مسمعي، ماذا يقصدون بفصل القمامة ؟! ولماذا وكيف؟! هذه الكلمة غير متداولة في لغتنا، وفِي البلاد التي قدمنا منها. فمثلاً في سورية يوجد حاوية قمامة واحدة لكل المخلفات، كان لونها أصفر كما أذكر. في بداية الأمر وجدت الأمر معقداً، أن أقوم بفرز الزجاج والبلاستيك والكرتون كلاً على حدى، لأقوم بعدها برميهم جميعاً بنفس الحاوية، ففي مكان السكن المؤقت ست حاويات جميعها لونها أسود، فكنت أسأل نفس عن جدوى هذه العميلة والجهد المضاعف، إن كنت في النهاية سأعود لألقيها كلها بنفس المكان، ولكن بقي السؤال يجول بداخلي بسبب عامل اللغة أيضاً. ورغم ذلك تابعت الفرز خوفاً من العقوبة وليس رغبةً مني بالفرز، ومرت الأيام بسرعة و تمكنت من تعلم اللغة و حصلت على بيتي الخاص، وعلمت بأنه كان تقصيراً من إدارة السكن المؤقت، وبأن كان يتوجب عليهم وضع عدة حاويات بألوان مختلفة، وهنا بدأت ملامح الصورة تتضح، فبالقرب من منزلي مكان خاص لحاويات القمامة ولكنها هذه المرة بألوان و أحجام مختلفة، كالحاوية الخاصة بالورق والكرتون ولون غطائها أزرق. والمواد البلاستيكيه في الحاوية ذات الغطاء الأصفر. المواد العضويه وبواقي الطعام أو النباتات ترمى في حاوية المواد العضوية ويكون لون هذه الحاوية إما بني أو أخضر.
أما النفايات التي لا تتبع لأي من هذه الحاويات المذكورة أعلاه، يتم رميها في حاوية المُخَلفات وغطائها أسود.
أما النفايات الخاصة كالبطاريات والأدوية، والمواد التي تحتوي على مركبات كيميائية، والنفايات المشعة والقابلة للاشتعال والمبيدات الحشرية و بقايا الدهانات، تضر بالطبيعة وصحتنا بشكل خطير ويجب التخلص منها بشكل منفصل عن النفايات المنزلية، وعادة يكون لها أيضاً حاويات خاصة تحت مسمى نفايات خطرة. الخردة الكهربائية وهي جميع الأجهزة التي تعمل باستخدام التيار الكهربائي. في بعض المدن والولايات الألمانية، هناك حاويات للأجهزة الكهربائية الصغيرة، أما في القرى والمدن الصغيرة فعلينا الذهاب إلى مستودع خاص للتخلص من هذه الخردة.
أما الملابس القديمة فتوجد حاويات خاصة يمكن وضع الملابس القديمة فيها، تتوزع حول المدن الألمانية، وأحياناً نجدها في كل شارع أو حي، و أحياناً أمام الكنائس.
ملاحظة :” ألوان حاويات النفايات مختلفة من ولاية إلى أخرى لذا من الأفضل أن يسأل الشخص ويستفسرأولًا”.
و فصل النفايات له تأثير مادّي. يتم قياس وزن النفايات من نوعية النفايات المتبقية في مناطق معينة، كلّما كان الوزن أثقل كلّما زادت تكلفة معالجتها. فالفرز المنزلي للنفايات يوفر الكثير من المال والجهد و الوقت، حيث تتقاضى شركات فرز النفايات على الوزن ونوع المخلفات أيضاً، فمثلاً الورق والكرتون يتم جمعها مجاناً.
وإحدى الأفكار التي أعجبتني هي العبوات البلاستيكية ونظام الوديعة، وهو ما من شأنه التخفيف من رمي العبوات البلاستيكية في القمامة كعبوات المياه والعصائر والمشروبات الغازية.
تدريجياً تحول فعل الفرز إلى عادة يومية، ولم تعد معقدة كما في البدايات، فارتبطت هذه العملية في ذهني بالحفاظ على البيئة، ولم أعد أفكر بأنها “مجرد علبة بلاستيكية واحدة” فهناك قرابة ٨ مليار شخص يعيشون على الكوكب، فَلَو رمى كل شخص يومياً علبة واحدة فسندمر الطبيعة خلال فترة قصيرة.
رويداً رويداً تغيرت ثقافتي الشرائية والاستهلاكية، بدأت أميل لاستخدام الأكياس القماشية أو الورقية وابتعد قدر الإمكان عن المواد البلاستيكية، كما أنني أحرص على طهي كميات مناسبة من الطعام تجنباً لرمي الكثير منه في الحاويات. بدأت الثقافة البيئية تأخذ حيزاً من تفكيري، أحسست بأن هذه الأمور التي تبدو بالنسبة لي صغيرة وبسيطة، لها تأثير تراكمي على البيئة بشكل سلبي، فالطبيعة تعاني بما فيه الكفاية ولا تحتمل مزيداً من الإهمال.
Dieser Beitrag ist auch verfügbar auf: Deutsch (الألمانية)