لم أختر التسامح، هو من اختارني .
هل تستطيع أن تبتسم في وجه من أساء إليك يوماً؟ أن تغفر زلات من أحببت؟ أو أن تكظم غيظك وقت قدرتك على الانتقام؟
ليس بعد الأن.
عندما كانت يدي بحجم حبة الجوز، كانت الدموع تمحي حزناً صنعه فتى بسلبه مني قطعة الحلوى خاصتي، فأعود بعد ذلك لأشاركه بقية طعامي. أذكر مرةً عندما أضاعت صديقة لي ممحاتي التي كانت برائحة الورد، خاصمتها وأقسمت ألا أُشاركها أشيائي بعد الآن. جلسنا متباعدتين على مقعدٍ خشبي عتيق، حُفِرَ عليه أسماء المئات من الطلاب ومن بينهم أسمينا، صديقتي وأنا. لم أكن قد نسيت رائحة ممحاتي المفقودة بعد، عندما وجدت قلم صديقتي المفضل ملقى على الأرض. مددت قدمي لأسحبه. خبأته بعيداً عنها لأنتقم لممحاتي الوردية. لكن شيءٌ ما في داخلي لم يكن راضياً عما أفعل، شيءٌ أخذ يحدثني، كأنه عقلٌ مستقل عن ذاك الذي في رأسي، فلم أستطع بعد ذلك أن أخفي قلمها بعيداً، بل أعدته لها مع اعتذارٍ لم تفهم سببه، وحدنا من كان يعلم السبب، أنا وذلك الشيء. مرت السنين وجاورت الكثيرمن الطلاب واختلفت الأسماء المنقوشة من مقعدٍ لآخر، بدأ ذلك الصوت يختفي رويداً رويداً بداخلي، وأصبح نادراً ما يتكلم، وإن فعل فلم أعد أصغي له.
الطفلُ الذي داخلي اكتشف قراراتٍ أخرى غيرالتسامح الذي ما عاد يغريه، فهو ليس الخيار الوحيد بعد الآن. لقد أصبحت قبضتي أقوى، ونعومة أظافري باتت تخدش كل شيء.
كنت بالسادسة عشر من عمري عندما إلتففن حولي أربع فتيات. بدأن يُلقين النكات ويضحكن، السبب أن مظهري لم يكن مبتذل، بل كان يفتقر لتلك السلاسل الملونة التي اكتضت بها ثيابهن. كان من الصعب أن أنتقم وحدي من الأربع فتيات، فاخترت الأسهل واقتربت من إحداهن قاطعاً عليها وصديقها جلستهم الهادئة. رحت أسخر من مظهرها أمام من تحب، ولم يخمد غضبي إلى أن ذرفت دموعها. شيءٌ ما من ذلك الصوت عاد يوبخني، لكنني أصرت على موقفي ولم أكن لأرضى بأقل مما حدث.
تنوعت المواقف على مر السنين وراء كلِّ ربيع مر على عمري، نمت غابات من الخريف داخلي. فمفقوداتي لم تعد ممحاة فواحة، وبريق السلاسل انطفئ في ذاكرتي. أضعت فرصة العمل التي نصحتني صديقتي أن أبتعد عنها لسوء إدارتها، بلغني فيما بعد أنها حصلت على العمل الذي تخليت عنه بسبب نصيحتها!
تعرضت للرفض بسبب لباسي المختلف عن المجتمع الجديد الذي هاجرت إليه، دوت الإساءة في أذني مرارًا ولم أحرك ساكنًا. ليس رغبةً بالتسامح بل العجز عن العقاب. لم يكن من السهل أن أعتاد السكوت، لكن في مرحلة ما من عمري أدركت أن الإنتقام لن يولد الرضا الدائم بل سيكون الطريق لمشاعر سلبية تنتشر داخلي بمجرد أن ينظر أحدهم لي، ربما عن غير قصد- نظرة شاردة فأظنها عدوانية.
جميل أن يختارنا التسامح دائما ليكون المسيطر في لحظات ضعفنا، لكن الأجمل أن نختاره بقوتنا، لأن فطرة التسامح تمكننا من العيش بسلام وتساعدنا على تقبل الآخر
Dieser Beitrag ist auch verfügbar auf: Deutsch (الألمانية)