التغيير ممكن و لكن نحتاج للمزيد من الوقت

Regelmäßig feiert das kulturTÜR-Team mit Familie und Freunden - wie zuletzt im September 2019 mit einem kleinen Sommerfest. Die Redaktionsmitglieder schätzen die vertraute Atmosphäre, die in den letzten Jahren gewachsen ist. Foto: Ali Ahmad Rezaie

التغيير ممكن و لكن نحتاج للمزيد من الوقت

 

العاشرة مساءاً، أدخل غرفة المعيشة ولا أكاد أرى شيئاً بسبب الظلمة الشديدة، أتلمس طريقي نحو الجدار لأشعل النور، وما إن ضغطت الزر حتى تغير المشهد أمامي بلمح البصر, ضحكت بسري، و تمنيت لوأن كل شي يتغير بهذه السرعة، و أعني بكل شيء مشاكلنا وطريقة تفكيرنا وأهمها التأقلم مع الوضع والحياة الجديدة.
أقف أمام المرآة، أتأمل نفسي، لم يتغير شكلي الخارجي كثيراً من وصلت هذي البلاد، سوى أن الشيب بدأ يغزو رأسي.!
لكن في داخلي تدور معارك ما بين الانسان القديم في داخلي والإنسان الجديد الذي وجد نفسه في ظروف مجتمعية مختلفةً تماماً عن تلك التي تربى عليها، لم تتوقف هذه المعارك منذ الثلاث سنوات، فالإنتقال الى بلد جديد وثقافة جديدة ليس بالأمر السهل، خصوصاً إن كنت قادماً من بلد يحكمه ديكتاتور يقتل شعبه منذ ثمان سنوات كما في سورية. فخلال الخمسين سنةٍ الماضية تطبع المجتمع السوري بطابع الديكتاتور، فلم يعد يقتصر الأمر على طريقة الحكم، بل على طبيعة الحياة، حتى أصبح المجتمع والأسرة وحتى المدارس تدار بعقلية الديكتاتور، وهذا بالطبع انعكس على طريقة تفكيرنا وحياتنا الاجتماعية وتقبلنا للآخر.
لم تستطع أمي أن تكمل دراستها بسبب سياسة الفرد القائد للأسرة التي كانت قراراته مقدسة لا يُنَاقش بها،. بالإضافة الى البيئة الاجتماعية في ذلك الوقت والتي كانت ترفض ذهاب الفتيات إلى الجامعة، وترى أنه من الأفضل أن يتزوجن ويؤسسن أُسرهن، ضاربين بعرض الحائط أحلام الفتيات وطموحاتهن. ومع مرور الوقت كانت ثورتي الأولى على العائلة وبدعم من والدتي التي كافحت لتتمكن أخواتي من دخول الجامعة رغم معارضة الكثيرين من المحيطين بنا، لم تُرِد لهن أن يعشن نفس التجربة. وتخرجت آخرهن قبل أشهر كطبيبة أسنان، ويعملن الآن ويعيشن سويةً بشكل مستقل، أما ابنتي ماريا التي تبلغ من العمر ٤ سنوات سترتاد الجامعة مستقبلاً و بدعم كبير مني ولن تحتاج أن تبذل جهداً بإقناعي بذلك.
هذا التغيير الذي حصل في أسرتي، إستغرق قرابة الثلاثين عام، واستمر لثلاث أجيال مابين والدتي وأخواتي وابنتي، فهل بالإمكان أن تتغير حياتي في ثلاث سنوات ؟! جواب هذا السؤال يعيدنا إلى الجدل الدائر هذه الأيام عن سرعة إدماج أو اندماج اللاجئين في المجتمعات الجديدة، حيث تعلو بعض الأصوات بأن خمس سنوات كافية لتحقيق هذه العملية، وهذا خطأ بالمطلق، فالمجتمعات لا تتغير بين ليلة وضحاها، فحتى المجتمع الألماني استغرق قرابة السبعين عاماً حتى وصل إلى ما هو عليه من إنفتاح وتقبل للآخر وحرية لا محدودة وتساوي في الحقوق والواجبات “على الرغم من هذه المدة الطويلة لا يزال البعض يتصرف بعنصرية مقيتة”.
إذاً نحن على الطريق الصحيح، ولكن لا أحد يعرف كم من الوقت يستغرق الوصول، فالكثير من الأفكار التي كانت تعتبر خط أحمر غير قابلة للنقاش بالنسبة لي تغيرت خلال هذه الفترة، تعلمت الكثير عن تقبل الآخرين واحترام آرائهم مهما اختلفت وجهات نظرنا أو توجهاتنا، تخليت عن الكثير من العادات والمعتقدات البالية والتي لا تتناسب مع عصرنا الحالي بغض النظر عن المكان الذي أعيش فيه تخلصت من بقايا الديكتاتور الذي يسكن رأسي، توقفت عن تقييم الأشخاص بناءاً على لون بشرتهم أو دينهم، ما يهمني أن تكون إنساناً بما للكلمة من معنى، وبعدها فلتبعد ما تشاء.
وهذا ليس حالي فقط، فالكثير ممن أعرفهم تغيرت طريقة حياتهم بشكل جزئي و حتى تعاملهم مع الآخرين اختلف.
فقد عشت لربع قرن في دولة كل مافيها ذو طابع ديكتاتوري. فليس من السهولة التحول خلال فترة قصيرة الى النظام الديمقراطي في حياتنا سواءاً من الأسرة والتي تكون أساس المجتمع، تخلى الكثير من الناس عن التعامل مع المرأة سواء كانت أماً أو أختاً أو ابنتاً أو زوجة على أنها من ضمن ممتلكاته ويحق له التصرف فيها كما يشاء، وهذا للأسف كان منتشر في بلداننا بنِسَب كبيرة. فالشمس لا تغطى بغربال والاعتراف بالمشكلة أو خطوة في طريق حلها.
و أذكر هنا المرأة كمثال لأنها العنصر الأضعف في المنظومة الاجتماعية، والأكثرتعرضاً للظلم.
لنقل بأن النسبة الأكبر من اللاجئين اجتازوا العقبة الأولى أولا وهي تعلم اللغة، والتي تعد مفتاحاً لهذه البلاد، وباقي الخطوات ستأتي تباعاً وبفترات متفاوتة، وهذا ليس كلاماً إنشائي بل مبني على إحصائيات. فقد أكد رئيس رابطة اتحاد أرباب العمل في ألمانيا إنغو كرامر، أن عملية الاندماج الاقتصادية للاجئين أنجح بكثير من المفترض. وأوضح أنه ” من بين حوالي مليون شخص، خصوصا أولئك الذين استقروا في ألمانيا بعد 2015، هناك اليوم ما لا يقل عن 400 ألف شخص حصلوا على عمل أو قاموا بتدريب مهني”.
فليس جميع اللاجئون ينحدرون من نفس الفئة الاجتماعية، وهناك تفاوت أيضاً في المستوى التعليمي الذي قد يلعب دوراً سلبياً أو إيجابي في عملية الاندماج في المجتمعات الجديدة.
فكلا الطرفين سواء اللاجئين أم المواطنين الألمان يحملون أفكاراً وأحكاماً مسبقة عن بعضهم البعض وهذا بحد ذاته يحتاج وقتاً للتخلص منه عبر التواصل المباشر وتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة.
أُطفئ الضوء، ليعود المشهد كما كان مظلماً، أتحسس طريقي إلى غرفة النوم وأنا أردد ” التغيير قادم لا محالة ولكنه يحتاج إلى الوقت”.

Dieser Beitrag ist auch verfügbar auf: Deutsch (الألمانية)

More from حارث المقداد

الرسم على الموت 

تسطيع أن تدوس الأزهار ولكنك لن توقف الربيع  أكرم أبو الفوز فنان...
Read More