في الأمس رأيتك وأنت تتمايلين كعصفورة تقفز فرحة بريشها الذهبي، ومن ورائك يمشي الظل متخايلاً ومتفاخراً أنه ظلك
ارتعش قلبي واختلط في عقلي الحاضر مع الماضي، وفي الأفق الواسع دقت الأجراس معلنة عن قصة حب جديدة، عن أبيات شعر، عن زمن عشق آتي .
وقفت على عتبات الزمان متجمداً في مكاني أراقبك بينما تبتعدين عني حتى عبرتِ الأفق وغبت كما الشمس واختفى آخر أثر لك .
وعندما استعدت وعيي كان أول تعليق لي: (هل عيناك حقيقيتان؟) فبعد تسع سنوات من التنقل بين البلدان، اختلفت نظرتي للحياة تماماً ولم أعد أصدق كل ما أراه .
لقد كابدت من الحياة الشيء الكثير حتى لم يعد شيء يغريني، خرجت من جحيم حرب مدمرة لأجد نفسي وسط حرب أخرى أشد دماراً وفتكاً، حرب لا تستهدف الأجساد بل تستهدف الروح التي لم نعد نملك غيرها، وكم هو صعب أن يحمي الإنسان مشاعره ممن يحاولون أذيتها، وكم هو صعب أن يحمي الانسان قلبه من الخناجر المتربصة به والمنتظرة أي فرصة مناسبة لطعنه وقتله.
العينان مرآة الروح وانعكاس للطبيعة ومدخل لعالم آخر منفصل تماماً عن العالم المادي الذي نعيش فيه .
للعيون لغة خاصة القليل فقط من يفهمها، ومن فهمها لم يعد يهتم لأمر هذه الدنيا الفانية .
بعد تسع سنوات وبعد مخالطتي لآلاف البشر، لم أعد أبحث عن إمرأة، فقد اكتشفت أن كل ما ينقصني هو فقط عيني إمرأة.
عينين تجتمع فيهما الطبيعة مع الشرف، عينين مليئتين بالأحلام وخاليتين من الخبث والحسد .
عينان أتحدث معهما كل صباح و أبحر فيهما نحو الربيع اللامتناهي بحثاً عن مفردات وكلمات جديدة أزرعها في هذا العالم البائس لتنبت زهوراً من أمل.
بعد كل تلك السنون أدركت أنه لا أحد يمكنه إصلاح البشر، ولا أحد يمكنه منع تساقط أوراق الشجر، وعرفت الكثير من أرواح المعذبة التي دخلت في عوالم مظلمة وتاهت فيها حتى أصبحت عاجزة عن الخروج منها، فلم تجد أمامها إلا الصراخ بأعلى صوتها، لكن في هذا العالم الصاخب لا أحد يسمعها.
الحب مدخل لعوالم كثيرة لا قرار لها وعلينا أن نختار، فإما يأخذنا إلى الجنة وإما يهوي بنا في سراديب من نار، ولعل هذا هو ما يخيفني ويجعلني كلما شعرت بالحب يحاول التسلل إلى داخلي سارعت بطرده والهروب منه، لكن إلى متى؟
في الأمس وبعد أن رأيتك قررت المجازفة ووجدت نفسي مستعداً لأن أضع قلبي وروحي ومشاعري وكرامتي وحياتي الهادئة، جميعها أضعها فوق الطاولة للمراهنة عليك، فإما أن أخسر كل شيء وأنتهي للأبد، وإما أعود محتفلاً بعينيك .
سأفتح لك الباب وأدخلك لعالمي السري الذي لا يعرفه أحد، وسأريك العالم من زاوية تجعلك تفهمين الحياة بشكل مختلف، ستتعرفين على ألوان جديدة للربيع ومعنى آخر للشتاء ولن تضيعي لحظة واحدة من لحظات الصيف إلا وترقصين فيها، أما الخريف فهو للهدوء، للبكاء، للكتابة، للتصالح مع الذات.
سأعلمك كيف تفسحين المجال لجميع مشاعرك لتعبر عن مكنوناتها، لتبقى الروح تعيش في توازن واستقرار.
من أجلك سأزيل جميع القيود والسلاسل والجدران التي بنيتها حول قلبي لحمايته إلا جدار واحد.
ستكونين حرة، وسأترك لك الباب مفتوح للخروج من عالمي متى أردتِ ، وعندما تطلبين مني إغلاقه معلنة بقائك معي إلى الأبد حينها فقط سأحطم الجدار الأخير وأسلمك قلبي لتكوني أنت فقط الحارس الوحيد عليه.
أسلمك قلبي !!!
لا .. الكلمات تعبث بعقلي مرة أخرى والهواجس تحوم حولي من جديد، ورغم مشارفتي على إنهاء الرسالة إلا أني لم أحسم قراري في إرسالها لك بعد، فبعدها ستكون رهينة بين يديك، إن شئت أكرمتها واحتفظت بها، وإن شئت وأحرقتها وحولتها الى رماد متناثر .
وها أنا ذا عند تخيلي لتلك اللحظة، أجدني امسح اسمك من أعلى الرسالة وأقرر أن لا أدخل كلماتي بتلك المجازفة المحاطة بالمخاطر، وأجدني اتخذ القرار الأصعب في حياتي وهو أن أغمض عيني كلما مررت أمامي كي لا أراك، وأقنع عقلي أن الذي يزورني كل ليلة ليس طيفك، و أن الرائحة التي لا استطيع نسيانها ليست رائحتك، و أنك مجرد حلم عابر
ولا وجود لك في هذا العالم أبدا.
أما هذه الرسالة فسأضيفها لعشرات الرسائل المركونة فوق الرف الذي غطاه الغبار .
إلى متى هذا التردد؟ لا أدري !
ربما إلى أن يجمعنا القدر وجها لوجه وانظر الى عينيك مباشرة دون أية حواجز، وتجبرني ابتسامتك على الإستسلام والبوح بكل شيء.
الحب والعذاب توأمان لاينفصلان عن بعضهما أبدا، حتى ذلك الحين لن أجازف بإرسال كلماتي إلى المجهول.
Dieser Beitrag ist auch verfügbar auf: Deutsch (الألمانية)