جدار الأمنيات 

عندما نتجاوز المفهوم العام، لفكرة الجدار كفاصل بين مكانين، أو كحاجز يفصل المناطق عن بعضها، أول ما يخطر لنا نحن  

القادمين من بلدان انتهكت فيها الحريات تحت سلطات و أنظمة ديكتاتورية، ونحن نتجول في شوارع برلين، كيف أن الشوارع والجدران في محطات القطارات و الأماكن العامة هي ملك للشعب حيث أصبحت مساحة لحرية التعبير، بعد أن كان أحد الرموز الأساسية في الفصل بين نصفي المدينة، أي بين برلين الشرقية وبرلين الغربية، وأحياناً بين أحيائها 

مشروع جدار الأمنيات الذي يقام حالياً في هنغار رقم واحد في مطار تمبلهوف القديم هو عبارة عن مشروع ممول من مؤسسة دورخ شتارت للفنان عبد الكريم مجدل بيك بالتعاون مع بشرى مصطفى. هو عمل تفاعلي يشارك فيه مجموعة من الشبان من خلفيات مهاجرة وألمان، لبناء حائط  يعلق عليه أماني الشباب وأحلامهم. و هو مساحة بوح لما كان ممنوع عليهم من قبل  أن يمارسوه في بلدانهم  لعرض رغباتهم ورسائلهم و احتجاجهم ويترك للمشاركين الحرية لتوصيل أفكارهم بحرية كاملة 

. يرتكز مفهوم الجدار  الذي  أراد  الفنان عبد الكريم مجدل البيك إلى  إعادة بناء و ترمٌيم الذاكرة

 فالجدران هي ذاكرة المدٌينة و هويتها، بما تحمله من كتابات وذكرٌايات وأحدا

من هذا المفهوم تعاون  المشاركون ببناء  الجدار و بدأوا برسم  وكتابة أفكارهم. بالرغم أنهم لا يمارسون الفن كمهنة بل هي هواية لأغلبهم إلا أن رسومهم وعباراتهم بدأت تغطي هذه المساحة البيضاء لتكون  منبر لأمنيات وأفكار يريدون أن يعبروا  عنها من خلال الرسم أو الكتابة

الجدار كمشروع مفاهيمي كما يراه عبد الكريم هو غالبا ما يكون حامل للزمن و للذاكرة، و يعكس روح و تذبذب الحياة في المجتمعات الحضرية, لذلك كانت الجدران فًي شوارع المدن الكبٌيرة لصٌيقة بالمجتمعات الحية  في كثير من المدن الكبٌيرة حول العالم انتزعت جدران  ( الشارع ) من ساكنٌها بطرق مختلفة٬ و لكن  دائما كانت هناك حركات احتجاجية اجتماعية أو فنية او سياسية لاستعادة الجدار و بالتالًي الشارع للناس فنًاني الغرافٌتًي مثلاً

فًي سورٌيا سُلبت الجدران من ساكٌنيها سٌياسٌيا منذ عقود٬ و كانت الجدران فًي الساحات والشوارع العامة حكراً على النظام الديكتاتوري فًي دمشق ومخصصة لعبارات الحزب الحاكم – صور القائد – شعارات الحزب وصور رموزه

حالة الكتابة على الجدران من قبل المحتجٌٌين ,كانت أشبه بحركة مقاومة سرٌية موازٌيه للمظاهرات ضد النظام٬ مما اكسب الجدار وأعاد إليه قيمته السياسية والاجتماعية التي كانت مسلوبة لمدة طويلة 

 الجدار في هذا المشروع من جهة أخرى مساحة للبوح أو دفتر للرغبات المكتومة أو ساعي بريد يوصل رسائل مباشرة أو غير مباشرة٬ يستطيع المشارك هنا أن يترك رسالة مقتضبة لحبيبته٬ وآخر يترك رغبات و ذكريات. ليتحول الجدار إلى موطن للذكريات٬ حيث يترك المشاركون أسماؤهم محفورة بجانب أشكال لقلوب تخللها سهام أو تواريخ و عبارات لغاٌيات ما. تلك الكتابات كانت أحياناً لغاية حفظها و تثبٌيتها على الجدار أي تثبيتها في الزمن 

المشروع مستمر إلى نهاية الشهر الأول من سنة 2023. ليكون في النتيجة جدار يحمل أمانٍ كثيرة  لمجموعة من الشباب/ات  شاركوا هذه التجربة وليكون  وسيلة للتعبير ووسيلة ينقل  من خلالها المواقف الشخصية والرسائل السياسية والنقد العام

Dieser Beitrag ist auch verfügbar auf: Deutsch (الألمانية)

Written By
More from Boshra Mustafa

علياء أبو خضور

حوار مع الفنانة علياء أبو خضور، عن تجربتها وعلاقتها بمعرض دوكومينتا الفني،...
Read More