البقاء في المنزل جميل، ولكن أولاً يجب أن يكون لديك منزل حتى تبقى فيه

منذ أن غزى العالم  ڤيروس كورونا، وبدأت ملامح الكوكب تتغير، أُغلقت الحدود، أوقفت حركة المطارات، ولأول مرة تعادل جواز السفر السوري مع جواز السفر الأوروبي من حيث عدد الدول التي يسمح للشخص السفر إليها.

أصاب البشر بكافة أعراقهم وثقافاتهم حمى الشراء وتخزين الطعام بكميات تفوق حاجتهم، مما أدى لحرمان غيرهم من الناس ما يحتاجونه فعلاً، هذا الفيروس وضع البشرية أمام اختبار إنسانيتها، والكثير منا فشل في هذا الإختبار.

 وبعدها كثر الحديث عن ضرورة البقاء في المنزل وتدريجياً تحول من طلب إلى إجبار لقرابة مليار شخص في مختلف أنحاء العالم على البقاء في منازلهم، ولكن على الجانب الآخر، يعيش في مدينة إدلب وريفها قرابة خمس ملايين سوري، يحاصرهم الأسد وروسيا من طرف وتغلق تركيا حدودها من طرف آخر.

بناءاً على إحصائيات الأمم المتحدة، قرابة مليون شخص هجرهم الأسد وروسيا من بيوتهم في الشهر الأول والثاني من العام الحالي، وأصبحوا يسكنون في العراء، إما تحت الأشجار أوفي خيم بالية تضم أحياناً خمس عائلات، لا ماء ولا طعام ولا وسائل للنظافة ولا مراكز طبية ولا مشافي أو أدوية. لا أعرف حقيقة شعورهم عندها يشاهدوا العالم وهو يطالبهم في البقاء في منازلهم، وقد كان شاهداً على تدميرها وتهجيرهم منها قبل شهر واحد فقط، تحدثت مع الكثير منهم لأحاول كيف يمكن أن يحموا أنفسهم وعائلاتهم من خطر العدوى في تلك الظروف، جميع من تحدثت معهم  دون استثناء، يعتقدون أن الحديث عن المرض والعدوى هو رفاهية لا يملكونها، فكل مايشغل تفكيرهم حالياً هو كيف يحموا أطفالهم من الجوع والبرد!

 كيف بإمكانهم تأمين خيمة من بلاستيك تقيهم أمطار الشتاء؟! وعندما سألت أحدهم عن المواد الغذائية التي خزنها، كم من الوقت تكفيه؟! فكان الجواب حتى وقت العشاء، فغداً وقت الإفطار لا يعلم هل سيكون قادرا على شراء الطعام أم لا بسبب قلة المواد الأساسية قارمة مع أعداد القاطنين في المنطقة.

الطاوبير والتجمعات روتين  يومي في محلات الغذائية، كما هوالحال في المشافي الميدانية الغير مجهزة بشكل كامل، فبحسب تقرير لمنظمة ” أطباء من أجل حقوق الإنسان” دمرت القوات السورية والروسية ٥٠ مركز طبي في الشمال السوري بشكل كامل أو جزئي، وهذا ما تعتمده تلك القوات في السيطرة على المناطق، حيث تبدأ بتدمير المشافي والمستوصفات ومراكز الإطفاء والدفاع المدني، كما فعلت في حلب والغوطة في ريف دمشق .

تحاول تركيا إمداد المنطقة بالمواد الطبية اللازمة، وقد تم بالفعل تدريب العاملين في المجال الطبي على التعامل مع الحالات التي يشك بإصابتها بالفيروس، كما زودت الحكومة التركية المراكز الصحية بأجهزة قياس الحرارة الإلكترونية. حتى كتابة هذا المقال ” منتصف الشهر الرابع” لم يسجل أي إصابة في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد.

أما المناطق التي تخضع لحكم الأسد بالحالات المسجلة ٢٠ حالة، ولكن الحالات أكثر من ذلك بكثير من المعلن عنه، بسبب ضعف الإمكانيات الطبية، وقلة الفحوصات المخصصة لكشف هذا الفيروس، حيث لم يوقف نظام الأسد الرحلات الجوية مع إيران التي أصبحت بؤرة لانتشار المرض، وذلك بسبب سيطرة إيران على القرار السياسي السوري، واستمرار رحلات السياحة الدينية الى المقامات في دمشق وريفها، مما اضطر الحكومة لاحقاً إلى إغلاق منطقة “السيدة زينب” بعد إعلان منظمة الصحة العالمية، أن السياحة الدينية في سورية ستشكل خطر انتشار المرض بشكل كبير.

حيث لم تقدم الحكومة السورية أي دعم لمواطنيها في هذه الظروف، بل على العكس رفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية من طحين وخبز وسكر ومواد تموينية، لأن أغلب ميزانية البلاد تصرف في المجهود العسكري الذي لم يتوقف منذ ٩ سنوات.

هذا هو حكم الدكتاتوري، لا يفسد فقط الحياة السياسية، بل يدمر الاقتصاد والحياة الاجتماعية ويقضي على كل ما يساعد المواطن على العيش بحياة كريمة.

Tags from the story
More from DRK Berlin Steglitz-Zehlendorf

التسامح الديني في السودان

السودان بلد أفريقي متعدد القبائل والثقافات.. وهو بلد يمثل المسلمين فيه الأغلبية،...
Read More